إفلاس منصة FTX للعملات الرقمية: شرح احتيال SBF بالتفصيل

بواسطة | Last updated Mar 28, 2024

لا يخلو أي حديث بين رواد العملات الرقمية إلا على إفلاس منصة FTX المأساوي والذي سيكلف مئات الآلاف من المتداولين مبالغ مهمة. أيضا هذا الإنهيار سيدفع أكثر إلى التساؤل حول جدوى الاستثمار في العملات الرقمية من الأساس، وطرح الجانب القانوني منه خصوصا أنه لم يكن الأول ولن يكون الأخير. أنا لست خبيرا قانونيا، لكنني سأحاول معكم استعراض أهم الأسباب التي دفعت بمنصة FTX إلى الإفلاس لاستخلاص الدروس والعبر المناسبة.

إفلاس منصة FTX للعملات الرقمية: شرح احتيال SBF بالتفصيل

شرح أسباب إفلاس منصة FTX للعملات الرقمية بالتفصيل مع الكشف عن كل المتورطين وكذلك استعراض حقائق عن مؤسسها المحتال سام بانكمان فرايد SBF وقصة صعوده غير البريئة.

من هو سام بانكمان فرايد SBF؟ 

سام بانكمان فرايد الملقب أونلاين ب SBF هو رائد أعمال ومستثمر أمريكي عرف بتأسيسه منصة FTX لتداول العملات الرقمية, وصندوق الاستثمار Alameda Research المعروف برهانه على الشركات التي تدعم التحول إلى الاقتصاد الرقمي. ينحدر أصل سام بانكمان فرايد من عائلة يهودية من الطبقة المتوسطة وذات خلفية أكاديمية عالية المستوى، فأبواه كلاهما يشتغلان كأساتذة في كلية الحقوق بجامعة ستانفورد. هذه الأخيرة شهد حرمها الجامعي ميلاد سام سنة 1992، لذلك ترعرع SBF في جو أكاديمي منذ نعومة أظافره. هذه البيئة العلمية ساعدته على التفوق الدراسي، والذي توجه بالتخرج بدرجة فيزياء وفرع رياضيات من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT المرموق. 

الشاب تخلى عن طموحه الأكاديمي في العلوم واتجه أكثر نحول الاشتغال في مجالات التداول والاستثمار، مراهنا على عبقريته، خلفيته القانونية وشبكة علاقاته العائلية. سام بانكمان فرايد يروج لنفسه على أنه شخص عصامي، فلقد نجح في التحول إلى ملياردير في أقل من سنة من إطلاقه منصة FTX  للعملات الرقمية سنة 2019. بلغت ثروته بحلول شهر أكتوبر 2022 حوالي 10.5 مليار دولار، لكن هذا الأمر لم يستمر طويلا ليتحول إلى أسرع ملياردير يخسر ثروته في يوم واحد في التاريخ حسب مؤشر Bloomberg Billionaires ، فلقد خسر أزيد من 94% من ثروته يوم 8 نوفمبر 2022 نتيجة انهيار منصة FTX.

قصة صعود سام بانكمان ومنصة FTX للعملات الرقمية

شخصيا لا أحب الحديث عن المؤامرات لكن هناك الكثير من الجدل حول هذه الشخصية الفريدة، فبلمح البصر ظهر على الساحة خصوصا على الجانب السياسي كمدافع عن استخدام الكريبتو. مثلا منصة FTX لم تكن يوما من أفضل منصات تداول العملات الرقمية في العالم لا من حيث جودة الخدمات أو المصداقية، لكن الكل فوجئ باستدعاء الشاب سام من طرف لجنة استماع في الكونغرس مع تجاهل مؤسسين كبار وملاك بورصات كريبتو أضخم.

لكن ما السر وراء هذا الصعود؟ الحقيقة التي لا يشاركها الإعلام كثيرا حول سام بانكمان فرايد هو نفوذ والدته السياسي وعلاقاتها الخاصة مع قادة الحزب الديموقراطي في أمريكا. أم SBF التي تدعى Barbara Fried هي أستاذة في جامعة ستانفورد، لكنها في نفس الوقت تشتغل مع لوبي جمع التبرعات من كبار ممولي الحزب الديموقراطي ولها علاقات خاصة مع كل القادة الديموقراطيين. أيضا سام كان ثاني متبرع للحزب الديموقراطي خلال الانتخابات النصفية لعام 2022 خلف الملياردير جورج سوروس. أليس الأمر غريبا نوعا ما؟ أم أنها كانت وسيلة لشراء الدعم التشريعي والتستر على جرائمه المالية.

دور أم سام والسياسة في نجاح منصة FTX

الشريك الرئيسي للمحتال سام في قيادة العمليات هي Caroline Elisson خريجة ستانفورد، والتي تشغل منصب المدير التنفيذي في صندوق الاستثمار Alameda Research (الذراع الاستثماري للمحتال SBF). أود الإشارة إلى أن كارولين لم تكن بارعة أو متفوقة قبل شغل هذا المنصب المهم، والذي في العادة ما يتم إعطائه للخبراء. كارولين شخصية تافهة يتنمر عليها الكل في وسائل التواصل الإجتماعي ولا تمتلك أي مقومات نجاح. شخصيا تابعتها لبعض الوقت ولا أعتقد أنها تصلح حتى لإدارة دكان، فما بالك البقاء على رأس صندوق استثماري يتحكم في أصول تبلغ قيمتها ملايير الدولارات. الآن أترككم مع المبدعة كارولين للتعرف عليها عن قرب!

هناك بعض التساؤلات الجدية حول قصة نجاح منصة FTX والتي ثبت مع مرور الوقت أنها كانت فقط مجرد فقاعة احتيال انفجرت في وجه الكل. أولا صندوق الاستثمار Alameda Research المملوك لسام جمع ملايير الدولارات كاستثمارات من أطراف ثالثة، فما الذي سيدفعه للثقة في شابة غبية بدون خبرة لترأس الشركة. ثانيا، تم نقل مقر الشركة إلى باهاماس بينما الشركات الناجحة في التقنية تسارع إلى السيليكون فالي، وهذا يفسر أن الشركة كانت تتفادى التدقيق والرقابة. ثالثا، أغلب الموظفين كانو يتقاضون أجورا ضخمة بدون عمل كثير، ولا أحد منهم خرج لكشف الحقيقة حفاظا على مصالحهم المادية. إليك قائمة بأهم الشركات التي استثمر فيها SBT والتي قد تواجه مشاكل نتيجة انهيار FTX.

استثمارات Alameda Research

حرب منصة FTX و Binance: الضربة القاضية 

كل رجال الأعمال ينفقون على دعم الأحزاب وتكوين علاقات جيدة، لكن ظهور تبرعات كبرى لرجال أعمال شباب دون خبرة مثل سام يوحي أكثر إلى تورطهم في أنشطة قذرة. أيضا هذه التبرعات تم استخدامها للضغط على المشرعين الأمريكيين لإصدار قوانين تستهدف المنافسين، لكن القشة التي قسمت محاولته اللعب ضد مصالح منصة بينانس العملاقة. القصة باختصار بدأت السنة الماضية عندما قرر السيد Zhao مالك بينانس بيع حصته في منصة FTX للمؤسس سام، مع تقاضي جزء من قيمة الصفقة بعملة FTT التي تصدرها FTX. انذاك عملة FTT كانت قيمتها ثابثة وتعتبر من أفضل العملات الرقمية التي لها مشروع طموح وطلب متزايد. 

هذا الزواج بين Binance و FTX لم يدم طويلا بعد تسرب وثيقة لموقع CoinDesk، والتي تشير إلى امتلاك صندوق الاستثمار Alameda Research لكمية غير اعتيادية من عملة FTT. أيضا من المفترض أن صندوق الاستثمار ومنصة FTX منفصلان، لكن الوثيقة أثبتت أنهما يعملان بشكل وثيق تحت توجيهات وإدارة سام SBF خلف الستار. هذا الأمر هدد مصالح بينانس لذلك بمجرد تسرب الوثيقة، سارعت إلى التخلص من كل أصولها من عملة FTT. إعلان بينانس عن الأمر دفع بكل المتداولين إلى محاولة بيع أرصدتهم من FTT وسحب أصولهم من العملات الرقمية على المنصة. تلقت FTX طلبات سحب فاقت قيمتها 6 ملايير دولار وهو ما دفع بها إلى تعليق السحب لنقص السيولة.

النتيجة الفورية لهذا الهجوم من طرف CZ كان نزول سعر عملة FTT الذي كان يلامس 30$ إلى حدود 2$، والذي أدى بدوره إلى تقلص القيمة السوقية لمنصة FTX بشكل حاد. الشيء الذي فاقم الأزمة هو وعد بينانس بالاستجواذ على FTX وتراجعها بعد ذلك، مما أدي بها إلى إعلان الإفلاس (ذبحتها بسكين حاد). يجب أن تعلم أن جزء كبير من قيمة منصة FTX كان مبنيا فقط على أصولها من رمز FTT، وشبكة علاقاتها العامة التي استثمرت فيها الملايين. لا أحد يشك أن منصة FTX كانت مزحة استثمارية وبالونا تم نفخه بالدعاية السياسية، أكثر من كونها مشروع صلب وقائم الذات. SBF قام ببناء امبراطورية استثمارية اعتمادا على مخطط بونزي فقط، لذلك حرص على شراء الحضور العام بدعم الطبقة السياسية لاستدامة مخطط بونزي لأطول فترة ممكنة.

هل إفلاس منصة FTX مؤامرة؟

شخصيا كنت مهتما بالعملات الرقمية منذ ظهورها لذلك أحرص في الغالب على نشر مراجعات محايدة ومشاركة تجرتي مع المتابعين. هذا الأمر ستلمسه بكل تأكيد في مقالي حول شرح البيتكوين، والذي أشرت فيه بنوع التشكيك إلى النوايا الشريرة لساتوشي ناکاموتو مؤسس BTC. أيضا قصة صعود منصة FTX ليست بريئة بكل تأكيد، بل أغلب الخبراء والمحللين يشيرون بأصابع الإتهام إلى ضلوع بعض المشرعين والنخب الأمريكية التي تحاول التضييق على العملات الرقمية في هذه الأزمة. لكن هل هذه الدلائل كافية لاتهام الحكومة الأمريكية؟ بالتأكيد لا، فالعمليه أشبه بمجموعة من المحتالين العدوانيين الذين سعوا لشراء الحماية من الطبقة السياسية عن طريق المال فقط (سيناريو بئيس مستوحي من مسلسل House of Cards). كمعلومة تم سحب أرصدة تناهز 662 مليون دولار من منصة FTX بعد إعلان إفلاسها وهو الأمر المخالف للقانون، مما يوحي أن المؤسس SBF تلقى وعود بحماية خاصة من بعض الجهات العليا. أيضا تم تقديم الفتى سام على أنه رمز للعبقرية وتمت التغطية على كثير من هفواته، لكن دائما ما تم اعتباره رجل النظام المالي التقليدي داخل مجتمع الكريبتو النشط أونلاين.

 FTX تعتبر كذلك من شركاء المنتدى الإقتصادي العالمي WEF الذي يعتبر أكبر تجمع للشركات في العالم، والمعروف بعملئه الدؤوب علي تشجيع الاحتكار وتفوق العولمة فكريا على بقية التيارات. لكن ما هي مصلحة المنتدى الاقتصادي العالمي من إفلاس منصة FTX؟ المنتدى الاقتصادي العالمي يشتغل منذ سنين للقضاء على العملات الورقية واعتماد العملات الرقمية رسميا، لكن اقتراحاته تمت مواجهتها من قبل نشطاء حقوق الإنسان والمحافظين. هذا الأمر دفع بهم إلى اعتماد خطة بديلة بالابتعاد عن التحكم في سوق الكريبتو لجعله ينمو لوحده بعيدا عن الرقابة، حتى يصبح واقعا ثم التدخل في نظام الكريبتو الحالي ودفعه للإفلاس. انهيار المنصات سيؤدي إلى خسارة الملايين لاستثماراتهم لذلك سيسارعون طلبا للتدخل الحكومي (نهاية اللامركزية) مع تقديم البديل المتحكم فيه ١٠٠٪. لا أحد يخفى عليه أن كل الحكومات تشتغل في صمت على تطوير عملاتها الرقمية الخاصة والتي ستفرضها على الكل بحكم الأمر الواقع. هذا الأمر لا يعني صلة المنتدى الإقتصادي العالمي بالإفلاس، لكن تم تلميع سام من طرف نخبه وإظهاره على أنه نموذج يحتذى به. أيضا انهيار المشاريع الكبرى الآن سيسبب صدمة للعديد من المستثمرين، وبالتالي استعدادهم للإنخراط فقط في مشاريع الكريبتو والمدعمة حكوميا. النماذج مثل SBF تسيئ لفكرة الاستقلالية واللامركزية التي يتأسس لها الكريبتو، كما يضرب مصداقية وثقة الناس عموما في العملات الرقمية كبديل آمن للاستثمار.

محاكمة سام بانكمان

نجح Sam Bankman في الفرار الى جزر باهاماس بعد تفجر فضيحة احتيال منصة FTX، لكن السلطات القضائية هناك سلمته فيما بعد للسلطات الفيدرالية الامريكية. أيضا من المستغرب أنه توبع فقط في حالة سراح لمدة شهور، وهو ما يعزز نظرية علاقته بدوائر القرار في الحزب الديموقراطي الامريكي وعلى أن Sam Bankman أو ملك الكريبتو كما يوصف لم يكن سوى أداة في يد الحكومة الامريكية لتنفيذ اجندتها في سوق العملات الرقمية. هذا الأمر لم يستمر طويلا نتيجة توالي المتابعات القضائية وضغط الرأي العام، وبالتالي متابعته في حال اعتقال. مؤخرا بتاريخ 28 مارس 2024 تم الحكم على Sam Bankman المؤسس والرئيس التنفيذي لمنصة FTX للعملات الرقمية بالسجن لمدة 25 سنة، وعلل القاضي لويس كابلان بهئة مانهاتن الذي اصدر الحكم على أن المذنب سام بانكمان ارتكب جريمة خطيرة ولم يندم عليها.

قصة احتيال FTX والإفلاس

هل سنشهد انهيار منصات أخرى لتداول العملات الرقمية؟

بكل تأكيد نعم، فنظريا كل العملات المتداولة حاليا ستنهار يوما ما لكن سرعة الانهيار يحددها مدى صلابة المشروع وثقة مجتمع الكريبتو فيه. لعل قصة إفلاس العملة المستقرة LUNA خير دليل على كلامي. الحكومة، النظام العالمي أو سمه ما شئت عبارة عن تحالف مؤسسات ذكية وذات موارد عالية، لذلك ما دامت الأعمال غير المشروعة تناسب توجهاتها تدعها تنمو وتزدهر. أغلب حالات الافلاس في عالم العملات الرقمية سببها مخططات بونزي الاحتيالية والسرقة. لكن هل المؤسسات لم تعلم بالأمر؟ بالتأكيد هم على دراية منذ اليوم الأول عن حقيقة مشروع FTX. الأجهزة تلاحظ كل شيء منذ البداية لكن تترك الأمور تأخد منحاها الطبيعي، لأن هدفها النهائي اعتياد المواطنين على استخدام العملات الرقمية. هذا سيتيح مستقبلا قدرة أكبر على الرقابة، مكافحة غسيل الأموال وحساب الضرائب بدقة. كل الحكومات لديها برامج لإطلاق عملاتها الرقمية الخاصة وتحت إشراف البنوك المركزية، لذلك ستظهر هذه العملات كخير بديل وقت انهيار كل العملات الرقمية. الآن حان الدور للتعرف على رأيك في الموضوع؟ كما لا تترد في طرح أي سؤال في قسم التعليقات.

مقالات ذات صلة وقد تنال إعجابك!

0 تعليق

إرسال تعليق