العالم يشهد تقلبات إقتصادية عميقة، فالكل يعاني من القلق و حالة عدم اليقين تجاه المستقبل. هذه الهواجس تتضاعف لدى الطبقة المتوسطة والموظفين ذوي الدخل المحدود، وذلك لارتفاع معدلات التضخم وتأثيرها السلبي على الأجور. الإنسان بطبعه كائن ضعيف ومعرض للأزمات، لذا من الطبيعي مواجهة ظروف طارئة تتطلب مصاريف إضافية. غالبا سيكون من الصعب تغطيتها دون التوفر على مدخرات، أو الحصول على قروض بنكية جديدة ترهق الكاهل. ببساطة الإدخار هو من أفضل العادات التي ينصح بإكتسابها، فهو حبل النجاة وقت الأزمات.

أفضل فوائد الإدخار والتوفير على المدى الطويل

قام فريقنا بشرح أهم فوائد الإدخار وتوفير المال على المدى الطويل لمساعدتك على تعلم إدارة المال بالطريقة الصحيحة وتحقيق الإستقلال المادي في أسرع وقت ممكن.

1. القدرة على مواجهة الطوارئ

أهم فائدة للإدخار هي القدرة على مواجهة الطوارئ والمفاجئات، لذلك من الواجب الإستعداد لأي حدث غير متوقع مثل الطرد من العمل، الإفلاس أو التعرض لحادثة صحية تفقدك القدرة على الإنتاج. الإدخار هو بويصلة التأمين و الجوكر الذي تستعمله وقت الشدة، فمهما كان الوضع المادي مريحا تبقى العديد من الحالات المستجدة خارج نطاق السيطرة. مثلا إندلاع وباء عالمي جديد، إنهيار سوق الأسهم أو حتى نشوب حرب في البلاد (حفظنا الله و إياكم من شرها). كم من غني إنتقل من عيش الخير و العزة؟ لينتهي به الأمر في طوابير اللاجئين باحثا عن لقمة تسد الرمق.

2. التكيف مع فقدان الوظيفة المفاجئ

ليس كل الأشخاص يحظون بفرص عمل رائعة أو يشتغلون في ظروف مهنية مريحة، وهذا الأمر يولد ضغطا يؤدي بالأغلبية إلى إهمال الواجبات المهنية أو الدخول في صراعات مع فريق العمل. دوران عجلة الرأسمالية لا يتوقف على الموظف الغلبان، لذا غالبا ما يكون مصيره الطرد. أيضا من الوارد كذلك أن تستيقظ يوما لتفاجئ بخبر إفلاس الشركة التي تشتغل بها دون الحصول على أي تعويضات، وهذا الأمر يحدث سنويا مع الملايين من الأجراء المغلوبين على أمرهم في كل دول العالم. كيف ستستطيع تغطية مصاريفك الشخصية و العائلية إن كان لديك إلتزامات؟ الحل ببساطة هو الإستعانة بالمدخرات لسد الفجوة. أغلب الخبراء يوصون بإدخار ما يعادل قيمة الراتب لمدة سنة على الأقل، وذلك لتأمين القدرة على تغطية النفقات و أداء الفواتير حتى العثور على وظيفة جديدة. إذا كنت ما زلت في مرحلة الدراسة أر الجامعة، فيمكنك مطالعة مقالنا حول أفضل الوظائف التي ستضمن لك دخلا محترما وبيئة عمل مريحة. 

3. تحقيق التوازن المالي 

تعلم دائما ألا تضع خططك المالية معتمدا فقط على الراتب الشهري، فالقيمة الشرائية للمال تقل مع مرور الوقت نتيجة التضخم. أيضا الزيادة على الرواتب لا تغطي الفرق بين إرتفاع تكاليف المعيشة و الفواتير من عام لآخر، وهذا الأمر ستلاحظه خلال سنواتك الأولى من العيش كفرد مستقل أو كرب أسرة يعيل عائلة. أهمية المدخرات أنها تساعد على تغطية الفارق و الإكتفاء الذاتي، وذلك دون المعاناة من تراكم الديون. إذا كنت ترغب في توفير المال من أجل الثراء فإني أنصحك بتجنب ادخار المال الكاش، بل الأفضل استثماره في مشاريع منزلية صغيرة ومربحة. هذا النوع من الاستثمارات يتميز بعوائد جيدة، وبالتالي المحافظة على قيمة الأصول وتطويرها دون المجازفة بمبالغ كبيرة.

4. التخلص من عبئ الديون

نحن بشر تحكمنا رغبات لا نستطيع مقاومتها، خصوصا الرغبة في تملك السيارات، الملابس والعقارات. أيضا غالبا ما نلبي هذه الرغبات على حساب استقرارنا المادي، والنتيجة هي الوقوع في فخ القروض الإستهلاكية مع تراكم فوائدها. أهم إيجابيات ثقافة توفير المال أنها تساعد على كبح جماح الاستهلاك السيئ، كما تضمن القدرة على تغطية تكاليف الحاجيات والكماليات دون الإلتزام بديون إضافية. أسوأ سيناريو ممكن أن يعيشه الفرد هو إدمان القروض، فهي لا تجلب سوى الهموم وخراب البيوت عن تجربة. أضف إلى ذلك أنها تعرقل كل الخطط الإستثمارية، فأغلب الأموال ستستخدم فقط لسداد الفوائد.

5. تحقيق حلم التقاعد المبكر

التقاعد المبكر هو حلم الجميع، خصوصا أن الأغلبية تشتغل على الأقل لمدة 40 سنة قبل الوصول لسن التقاعد القانوني. ما فائدة التقاعد في سن متأخرة، وما يصاحب هذه الفترة من أمراض السكري، الضغط وغيرها مع قضاء الوقت في التنقل بين العيادات دون الحصول على وقت للإستجمام. الإدخار يساعد على تأمين التقاعد المبكر، لأنه يضمن للموظف فرصة الإستثمار و خلق مصادر دخل جديدة تغنيه عن الالتزام بجدول الدوام الرسمي الممل. الأمر ليس سهلا كما هو متوقع، فالإنتقال من مرحلة العيش براتب شهرى إلى رائد أعمال محفوفة بالمخاطر. أيضا هذا الإنتقال تصاحبه العديد من التغييرات، وعلى وجه الخصوص فقدان الأمان الوظيفي وصعوبة تعلم المجازفة لتحقيق أقصى العائدات. بالمناسبة إذا كنت تخطط للاستقالة من الوظيفة فإني أنصحك بمطالعة هذا الدليل حول أهم خطوات بدئ مشروع صغير، والذي سيضمن لك تعلم أساسيات التخطيط وإدارة المشاريع الصغيرة. مثلا نجاح أي مشروع صغير في وقتنا الحالي مرهون بالنجاح في إنشاء موقع الكتروني احترافي له، فأغلب طلبيات العملاء والعلاقات مع الموردين تدار حاليا اونلاين.

6. الإستثمار وتنويع الأصول

الإستثمار دائما مرتبط بالمغامرة محسوية العواقب، و أكثر نقطة حساسة هي المتعلقة بتسيير وإدارة النفقات. ثقافة الإدخار تساعد على تعلم الصبر، وهو ما يضمن جمع الرأس مال والمغامرة به في الوقت المناسب. عمليا يستحيل أن تنفق مدخراتك و عناء السنين في فكرة مشروع لم يتم دراسة فرص نجاحه بدقة، لذلك يعتبر الإدخار من أهم الصفات التي تميز المستثمر الناجح. يجب أن تعلم أن الإنفاق الزائد عن الحاجة يلازم الفقراء، بينما الإدخار والإستثمار عادة الأغنياء ولك الخيار أن تختار الوصفة المناسبة لك.

7. التخلص من المصاريف الزائدة

الإدخار سيجعلك تفكر بعقلانية قبل أي قرار مالى، كما أنه يساعد على التخلص من العادات الإستهلاكية السيئة مثل الإسراف و المشتريات غير الضرورية. الثقافة المالية الجيدة التي تشجع على التوفير لا تعني الحرمان بالضرورة، لكن تحيل أكثر إلى الإنضباط، ترتيب الأولويات و تجنب المصاريف غير الضرورية. مراقبة المصاريف بدقة هو الخطوة الأولى لتوفير الأموال ولا يجب إهمال المبلغ مهما كان صغيرا، فكل ريال تدخره سيكون مفيدا لك في المستقبل. يمكنك مثلا الاستعانة بجدول الادخار لمراقبة المصاريف، وهو ما يضمن القدرة على تعقب نفقاتك بدقة وتحديد مكامن الإسراف الزائد.

8. مرونة تمويل الأسفار و العطل

كلنا نعلم أهمية السفر و قضاء عطلة مع العائلة، فهو المتنفس الوحيد لكسر الروتين و تجديد الطاقة. لكن الأمر ليس بهذه السهولة، فتغطية تكاليف التذاكر، الفنادق و الهدايا مكلف لأغلب الفئات الاجتماعية. هنا مربط الفرس، لذلك السؤال المطروح هو كيف أسافر بأقل التكاليف؟. لو كنت مقتصدا في نفقاتك فيمكنك إدخار مبلغ لا بأس به يكفيك لقضاء عطلة رائعة مع عائلتك، أو على الأقل القدرة على تمويل أغلب مسار الرحلة دون تمويل أو مساعدة من طرف ثالث. فقط لا تكلف نفسك و تقترض، فالعطل رغم فوائدها تبقى أمور ثانوية مقارنة بالأساسيات مثل تكاليف المعيشة، الجامعة و التطبيب التي يجب إعطاؤها الأولوية.

9. تغطية تكاليف الدراسة الجامعية للأبناء

صحيح أن تربية الأطفال ليست سهلة فهي تتطلب وقتا و تضحية، لكنها لن تكلفك ماديا الكثير في فترة الطفولة. بمجرد وصول الأبناء لمرحلة الدراسة الجامعية أو الإبتعاث للخارج تصبح تكلفتهم المادية أكثر. أيضا يقل تواصلهم، لكن تزداد طلباتهم للحوالات و الشكوى من عدم التوفر على المال. أنت بطبيعة الحال لن تتخلى عن مساعدة أبنائك، فمستقبلهم المهني مرتبط بحصولهم على شواهد جامعية في غالب الأحيان. الإدخار منذ فترة الشباب يساعد على مساعدة الأبناء في مسارهم الجامعي، وذلك دون الضغط على الراتب الشهري. للمعلومة التوفير من أجل الجامعة عادة شائعة لدى الآباء في أمريكا و الدول الغربية التي تقدر قيمة الجامعة، أما الأسر العربية فغالبا ما تستغل مدخراتها فقط لتزويج الأبناء و هذا خطأ!.

10. تطوير الذات 

كل ريال تتجنب إنفاقه في الكماليات ينضاف إلى رصيدك من المدخرات، والتي يمكن لك إستعمالها في أمور أكثر أهمية مثل الاستثمار في تعلم و إكتساب مهارات جديدة. مثلا يمكنك التسجيل في دورات تدريبة خاصة بالإستثمار لتعلم مهارات بناء المشاريع، أو الإنخراط في معهد خاص للحصول على شهادة جديدة ستعجل بترقيتك في الشركة. الإستثمار في تطوير مهارات جديدة سيساعدك على خلق ثروة إضافية على المدى الطويل، لذلك لا تبخل على نفسك بالتسجيل في الكورسات والدورات التدريبية المهنية. أيضا إذا كنت تتوفر على مهارات جيدة على الحاسوب وتمتلك شغفا بعالم الأنترنيت، فلما لا التفكير في إنشاء مشروع إلكتروني وتحقيق دخل جيد بالدولار أونلاين.

الخلاصة

الإدخار هو طوق النجاة وقت الشدة, فلا أحد مستعد كي يضحي لأجلك وقت الحاجة. أيضا يفضل التشبع بثقافة توفير المال والتي تغنيك عن سؤال الناس أو التهافت على طوابير البنوك طلبا للنجدة. صحيح أن الديون تساعد على تجاوز النكبات المالية، لكنها في الوقت نفسه تكبل الإنسان و تحطم نفسيته. هنا تكمن أهمية المدخرات، فلا أحد يعلم ما الذي يخفيه المستقبل لك ويجب أن تضع كرامتك فوق كل اعتبار. أتمنى أن تكون مقالتي مفيدة لك، كما أننا مستعدون للإجابة على كل تساؤلاتك في قسم التعليقات.